لقد تشبّعت الشخصية العمانية من فكر جلالة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله رحمة واسعة - بسمات وملامح واضحة على كافةالمستويات والأصعدة سواءً في شخصية جلالته الفذة أو فكر سياسته الحكيمة وما تميزت به من معانٍ بارزةٍ ومنهجٍ فريدْ ، مما جعلَ ومكّنَعمان لتكون قِبلةَ السائحين والمستثمرين والموجوعين والمقهورين والمتخاصمين على حدٍ سواءْ ، ولقد ترسخ هذا الفكر النير والنهج الفريد فيوجدان وأفعال الإنسان العماني أينما حلَّ وارتحلْ ، سفيراً لتاريخ بلاده العريق ، ممثلاً لسمعة عمان ومكانتها العظيمة ، مجسداً أخلاقوسمات القائد الراحل والعمانيين منذ الأزل وعهد النبي المرسل .
إنَّ من أبرز تلك السمات العالية والمنهج الراقي والفكر النير التي تميزت به شخصية جلالته هي الوقار المهيب والسمت العجيب ، والاتزانالرصين و هدوء الفكر و وسمو الروح ، فهو شخصية سامية نبيلة تنأى عن مخازي و سفاسف الأمور لتزدان وتسمو برفيع المعالي وعظيمالمعاني ، كما تفردت شخصية هذا القائد الملهم بالحنكة والحكمة على كافة الأصعدة والمستويات سواءً فيما يتعلق بإدارة دفة الحكم في هذاالوطن الغالي أو التعامل مع مجريات الأحداث على المستوى الإقليمي والعالمي فكانت ردود أفعاله تجاهها متزنة ممزوجة بحكمة بالغةمستمدة من عمق التاريخ وثراء التجربة سواء في التصريحات والأقوال أو الفعل وردود الأفعال ، كما أن السلطان الراحل تميز بصفة الحلموالعفو
مجسداً قول الشاعر النابغة الجعدي ( حليمٌ إذا ما أوْرَد الأمْرَ أصدَرَا ) ، فكمٍ من موقف نبيلٍ لجلالته تمثلت فيه معاني الحلم وسماحة النفسوطيب القلب ولا يمكن نكران الكثير من تلك المواقف التي يعلمها العمانيون جميعا .
كما أن المتتبع لشخصيته المتفردة تجده رغم عُلوْ مكانته ورفعة شأنه ، مُقلٌ في الظهور الإعلامي، فهو شخصية بعيدة كل البعد عن أشكالالبهرجة الاعلامية والتمجيد المبالغ فيه وكان ظهوره يقتصر فقط فيما يتطلبه العمل السياسي والدبلوماسي كاستقبال ضيوف السلطنة منقادة الدول وحكامها أو تمثيلٍ للسلطنة في المحافل الدولية والإقليمية والمحلية كرئاسة مجلس عمان والاحتفال بالأعياد والمناسبات الوطنية.
وهو رحمه الله قريب حبيب للشعب وهو ما عرف عنه العماني الأصيل منذ الأزل من مودة وتكاتف وتعاضد بين أفراد مجتمعه فقد تمثلتوتجسدت هذه المعاني في شخصية القائد الراحل والانسان العظيم فكان أباً رحيماً حنوناً عطوفاً وما جولاته السامية إلا مثالاً واضحاً علىذلك ، فقد كان يطوف ويجوب البلاد من أقصاها إلى أقصاها ليطّلع عن قرب على أحوال الوطن وهموم المواطن ملبياً احتياجاته، ساعياً لتأمينمطالبه نحو تحقيق مزيد من الرقي والنماء والعيش الكريم للمواطن والمقيم، كما لا يمكن إغفال دوره الإنساني الرائد وإسهاماته الجليلة فيخدمة شعوب المنطقة بكافة السبل من توفير لجوء كريم للمغتربين ومأوى للمحرومين وإطعام للمساكين ونشر للتعليم ووساطات لإطلاق سراحالمعتقلين .
أما توجه ونهج السلطان الراحل - العظيم الخالد في قلوبنا - على المستوى الدولي فهو النأي بالسلطنة عن إعصار الصراعات وشبحالحروب واتخاذ سياسة الحياد في التعاطي مع مجريات الأحداث وعدم التدخل في شؤون الغير إلا ما تقتضيه العهود والاتفاقيات كاتفاقيةالدفاع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي في حالة الحرب وللسلطان سياسة واضحة ينظر بها لدول العالم أجمع كأصدقاء تربطنامعهم اتفاقيات ومصالح مشتركة دون أن يكون للسلطنة أية أعداء أو سياسة رعناء وإنما أشقاء وأصدقاء ، وهذا ما جعل منها وسيط عالمينزيه ومؤتمن لإيجاد الحلول للأطراف المتنازعة وطرف محايد وموثوق لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء وتعزيز عناصر الوفاق بين الأضداد .
هذا ولا يمكن أن نغفل عدداً من السمات والملامح الشخصية لجلالته رحمه الله ، فقد كان يتمتع بكاريزما لافتة للأنظار فهو رمز للسلام ، محبللتاريخ صانع للأمجاد ، عسكري حتى النخاع ، قوي حازم ، ذكي ذو فراسة ، مهتم بالفن والذوق الرفيع ، ذو التزام بالغ بالاتيكيتوالبروتوكول ، مولع بالفروسية والخيل ، بشوش طيب ذو قلب كبير وغيرها من الصفات والمناقب التي لا تعد ولا تحصى والله وحده ذو الكمالوالجمال جل جلاله .
إن فكر القائد الذي تشبّع العمانيون منه حكمة و هدوءاً واتزانًا هو ما أثمر وأينع في جعل عمان تخطو خطواتها المستقبلية نحو تأمين وتمكينقيادة جديدة وعهد جديد من النماء والبناء خَلفاً لقيادته الحكيمة ، فقد تم تيسير انتقال السلطة بشكل مدهش وسلس منقطع النظير وفقتشريع واضح من النظام الأساسي للدولة دون تأخير أو تنازع أو شقاق بكل احترافية ودقة لتقدم عمان للعالم أجمع نموذج حضاري عاليالمستوى.
وفق الله عمان وشعبها تحت ظل قيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم لما فيه نماء للبلاد وخدمة للعباد وسدد على الخيروالصلاح خطاه ، ورحم الله العلي القدير جلالة السلطان قابوس بن سعيد هذا القائد الفَذْ والأب الحنون والمحنك الحكيم بواسع رحمته وعظيم فضله وكرمه وأسكنه فسيح جناته إنه سميع قريب مجيب الدعاء .
بقلم / ناصر خلفان الخاطري